4 دقائق قراءة

 

التعافي والاستشفاء من التمارين الرياضيّة، الكم لا الكيف !

هناك القليل جدا من المفاهيم المتعارف عليها في عالم الرياضة التي تحظى بموافقة ساحقة من الجميع من المختصين والغير مختصين، تحديدًا في عالم رفع الأثقال، وهو مفهوم "التعافي والاستشفاء" من التمارين الرياضيّة. على هذا الأساس، هناك اهتمام شديد بين أوساط الباحثين في هذا الموضوع. في كل سنة، نرى كمًّا كبيرًا من الأبحاث الّتي تنظرُ إلى التعافي بشكلٍ حصريٍّ، والطرق المختلفة المتاحة للرياضيين للاستشفاء.

ما هو التعافي أو الاستشفاء العضلي (Recovery) ?

مصطلح التعافي هو مصطلح متشعّب جدًا، ويحتوي بداخله على الكثير من المتغيرات الفيزيولوجية (الجسدية) والسيكولوجية (النفسية) التي تهدف في نهاية المطاف إلى إعادة الجسم لوضعه الطبيعي السابق ما قبل جلسة التدريب او التحفيز الخارجي (equilibrium). بالإضافة الى ذلك، يتناول مفهوم التعافي قدرةَ الجسد للتأقلم على مستوى جهاز الاعصاب والانسجة المختلفة وقدرته على التعامل بطريقة ناجعة مع أي مجهود مشابه في المستقبل. 

عند قيامنا بتدريب معين، سواء كان تدريب قوة او أي تدريب اخر مثل الركض\السباحة\ التسلق الخ، يكون هدفنا الأساسي هو تعريض الجسم للحد الأدنى من المقاومة الخارجية الضرورية والتي من شأنها ان تسبب لعمليات مختلفة تحث الجسد على التأقلم بمستويات مختلفة، سواء كان التأقلم على مستوى الاعصاب ام الانسجة المختلفة (العضلات \ العظام). علينا أن نتذكّرً بأنَّ هذا التأقلم هو ما يطمح له الرياضيّ عند قيامة بجلسة تدريبيّةٍ معيّنةٍ، وهو ما يمسح له بزيادة الكتلة العضليّة، القوّة، زيادة قوّة ضخ الدم من القلب، تحسين قدرة القلب والرئتين، وتحسين أدائه في تمرين أو حركة معينة.

من الممكن تحقيق هذه النتائج فقط في حال استطاع الجسم أن "يتعافى" من جلسة التدريب، ونقصد بالتعافي أن يتمكن الرياضي من تكريس موارد جسدية ونفسية أكبر من الموارد التي استهلكها في جلسة التدريب (او أسبوع\شهر التدريب).

يتحقق هذا التعافي بطرق مختلفة: ١. الحصول على تغذية تحتوي على كل العناصر الغذائية بالكميات الملائمة للرياضي؛ ٢.الحصول على راحة جسدية عن طريق فترات (أيام\ساعات) بدون تدريب او ما يعرف بأيّام الاستراحة؛ ٣. الحصول على مقدار كاف من النوم والقدرة على الاسترخاء النفسي والعديد من الخطوات المهمّة الإضافية. وفي حال فشلت مرحلة التأقلم بكل مركباتها او بقسم منها، يمكن للجسم ان يدخل بسهولة في حالة "التدريب المفرط – overtraining"، وبالتالي الحصول على نتائج سلبية وآثارها كارثية بالنسبة للرياضيين.

متلازمة التدريب المفرط " Overtraining syndrome "

عند فشل الرياضي بالتعافي والاستشفاء من جلسات التدريب المختلفة لوقت مستمر، بكلمات أخرى، عندما تكون موارد التعافي لدى الرياضي غير كافية نسبياً للمجهود الذي يستخدمه بتمارينه المختلفة، يمكنه في حالات قصوى الوصول لمتلازمة التدريب المفرط. تصف هذه الحالة مجموعة من العوارض الجسدية والنفسية السلبية والتي يمكن أن تأثر على الرياضي المحترف بطريقة كارثية في مسيرتة المهنية، ويمكن ان يُجبر على الراحة لأسابيع طويلة او حتى شهور وعدم ممارسة الرياضة اما بشكل كلي او جزئي ليتمكن من عكس حالة التدريب المفرط. ولكن هذه الحالة ليست حكرًا على الرياضيين المحترفين فقط، بل من الممكن أن يعاني منها كلّ شخص فعّال في رياضة معينة (كمال اجسام \ كرة القدم \ سباحة الخ).

هنالك العديد من الطرق المتقدّمة الّتي يستعملها العلماء لمراقبة مستوى التعب الجسدي المتراكم والقدرة على التعافي لدى الرياضيين المحترفين. تتضمّن هذه الطرق مراقبة عدد نبضات القلب والتغييرات في عدد نبضات القلب خلال وبعد جلسة التدريب. وطرق أُخرى مُتقدّمة أكثر كفحوصات دم مختلفة ومتقدمة لمواد مختلفة الّتي يفرزها الجسم مثل: حمض الحليب (lactate acid )، التيستاسترون الـحُرّ (free testastrone)، IGF-1، ونسبة النيتروجين في فحص البول وغيرها. تعتبر هذه الطرق ذات إمكانيّة تطبيق منخفضة بالواقع نظرًا لطبيعتها وتكلفتها العالية نسبيًّا.

اذا كيف يمكن للرياضيين ان يقوموا بتقييم مستوى التعب المتراكم والتعافي بدون الحاجة للائحة طويلة من الفحوصات المؤلمة والغير عملية؟

إحدى الافضليات الّتي تنتج من ممارسة مستمرة وغير منقطعة للتمارين الرياضية هي الوعي الجسدي الذي يتكوّن عند الرياضي. أعني بالوعي الجسدي القدرة على تمييز تغييرات جسدية صغيرة وشخصية للرياضي سواء كانت بالأداء، أو بالقدرة الجسديّة العامّة. كذلك هناك اعتماد متزايد بين أوساط المدربين والعلماء على هذه المعطيات التي يوفرها الرياضي نفسة بناءً على ما يشعر به، وقد تم بناء أدوات مختلفة لتقييم هذه المعطيات بمراحل مختلفة من دورة التدريب، فعلى سبيل المثال يمكننا استعمال سلم ال RPE- Rate of perceived exertion)) وهو سلم لتقييم المجهود خلال جلسة التدريب أو مباشرةً بعد انتهائها. اعتمادًا على هذا السلم، يقوم الرياضيّ بتقييم المجهود الّذي استخدمه لإنهاء المهمّة المطلوبة منه سواء كانت جلسةً كاملةً أو تمرينًا مُنفردًا، بحسب سلم من 1-10 (1 صعوبة منخفضة جدًّا، 10  صعوبة قصوى). وجدت بعض الدّراسات أنَّ استخدام سلم ال RPE  بطريقة مدروسة يُقلّل من نسبة الإصابات والوصول لحالات التدريب المفرط.

استخدام سلم ال RPE  هو الطريقة الأسهل والأكثر تطبيقًا بين أوساط المتدربين، فليس هناك حاجة لتقييم عوامل غير نهائيّة من المعلومات، مثل جودة النوم، التغذية، الضغط النفسي والجسدي، للحصول على صورة دقيقة لمستوى لياقة الرياضي أو نسبة التعب المتراكم لديه، بل يمكننا الاعتماد على ما يشعر به الرياضيّ لتقييم هذه المتغيّرات. ويمكننا أيضًا مراقبة التغيّرات الّتي تحصل من أسبوع لآخر ومن جلسة تدريب إلى أُخرى عن طريق هذا السلم بشكلٍ دقيقٍ وفعّال.

إذن كيف يُمكننا تنظيم عمليّة التعافي وما هي الخطوات العمليّة الّتي يمكننا تطبيقها:

  • أوّلًا، حافظ على الأساسيات : التغذية الكافية، النوم الكافي، الراحة الكافية واستهلاك كميه كافيه من البروتين كما نصحناك في المقال السابق
  • ثانيًا، تعلم استعمال سلم ال RPE  وطبقة خلال جلسات التدريب القادمة (سنتناول هذا الموضوع في مقالات قادمة).
  • ثالثًا، استعمال برامجنا في FitStop  للتدرب بشكلٍ ذكي. برامجنا مبنية بطريقة تدريجيّة وتعتمد على أحدث الأبحاث في مجال التعافي، وتحتوي على فترات راحة وتعافي مبنية مسبقًا.

الى المقالة القادمة،

صالح صلاح،

مدرب معتمد وممرّض مُختصّ في طبّ الطّوارئ

صالح صلاح

مُدرب معتمد وممرض مختص في طب الطوارئ