6 دقائق قراءة
البروتين وحرق الدهون, هل العلاقه واضحه كما نظن ؟
في العقديْن الصّارميْن، تمّ تبنّي فكرة الحِميات الغذائيّة الغنيّة بالبروتينات كطريقة فعَّالة لتحسين أداء الرّياضيين، زيادة الكُتلة العضليّة، والمساعدة على الاستشفاء من التمارين الرياضية في جميع مجالات الرياضة وبالأخصّ في مجال كمال الأجسام والقوّة (Powerlifting \ Bodybuilding). وجدت الأبحاث فوائد أُخرى عديدة لحِميات غذائيّة من هذا النوع مثل تنظيم الأيْض والجوع، تنظيم نسبة الدهون في الدم، تنظيم ضغط الدم، وتقليص مُحيط الخصر.
ولكن هل تعلم أنّ استهلاك كمّ كافٍ من البروتينات يوميًا يُساعدُ، أيضًا، على النّزول بالوزن وخسارة الدهون الزائدة في الجسم؟
عندما نُفكّر في خسارة الوزن والنصائح الغذائيّة المتعارف عليها، نعتقدُ أحيانًا كما هُو مروّج له، بأنّ علينا الحدّ من استهلاك الكربوهيدرات بشكلٍ عامٍّ والسكريات البسيطة بشكل خاصّ (المشروبات المسكرة، الحلويات وإلخ...). إضافةً إلى الحدِّ من استهلاك جميع أنواع الدهون، ذلك لاعتقادنا بأنّها ستساهم حتمًا بزيادة الدهون بالجسد. وفي أحيانٍ أُخرى، نرى مدى التّجاهل الكبير لأهمّيّة استهلاك البروتينات كوسيلة للحصول على الهدف المرجو والنزول بالوزن وخسارة الدهون.
بدايةُ، لنستكشف ما هي عملية خسارة الوزن أصلًا، كيف تحدُث؟ وما هي العوامل الّتي تُأثّر عليها؟
على الرغم من المعلومات الهائلة المُروّج لها في وسائط التواصل الاجتماعي، والتي تتناول موضوع خسارة الوزن بمستويات مختلفة من التعقيد، فإنّ المعادلة على غير ذلك، فهي تبدو بسيطة جدًّا في نهاية المطاف، وذلك لاعتباريْن أساسييْن:
- كمية الطاقة التي تقوم باستهلاكها عن طريق الغذاء.
- كمية الطاقة التي تستخدمها بوحدة زمن مُعيّنة.
بكلمات أُخرى، في حال أنّنا أردنا خسارة الوزن، علينا أن نستهلك طاقةً أقل من الطاقة الّتي نصرفها، عن طريق استهلاك كمية غداء أقل أو زيادة حرق السعرات اليوميّة عن طريق الرياضة مثلًا. وفي حال أردنا زيادة الوزن، يحتمُ علينا أن نستهلك كمّيّة طاقة أكبر ممّا نُصرِفُه من سعرات حراريّة بوحدة زمن معينة (يوم\أسبوع\شهر)، عن طريق زيادة كمّيّة الغذاء الّذي نستهلكهُ والحدّ من حرق الطاقة بشكلٍ يوميّ.
في الواقع، هناك عوامل عديدة تُؤثّر على كمية الطاقة الّتي يستخدمها الجسم البشري، أكبرها وأكثرها تأثيرًا هي عملية الأيض (Basal metabolic rate ). تمثل هذه العمليّة ما يقارب الــــــ 70% من حرق الطاقة اليومي الكُلّيّ (Total daily calorie expenditure TDEE)، وأيضًا عوامل أخرى كالرياضة والفعاليّات اليوميّة غير الرياضيّة (مثل: نبض القلب، عملية التنفس وغيرها)، ومن هنا يمكننا أن نفهم أنّه هناك تأثير محدود نسبيًّا للرياضة في معادلة خسارة الوزن. لذلك من الجدير أن نسأل من أين جاء مفهوم الـــ 80\20، وهو ما يُعرف بمُعادلة النّزول بالوزن (20%) رياضة و(80%) حمية غذائيّة. وهذه المُعادلة تبدو صحيحةً نوعًا ما بالرّغم من عدم دقّتها.
تُعتبرُ البروتينات إحدى المُكوّنات الغذائيّة الأساسيّة، جنبًا للدهون والنشويات (كربوهيدرات)، والّتي تتكوّن من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينيّة الّتي تترابط فيما بينها بحلقاتٍ وصلٍ تُسمّى بيبتايد (Peptides). ما يميز البروتينات عن غيرها من مكونات الغذاء الأساسيّة هي احتوائها على مجموعة نيتروجين (N)، وعلى هذا الأساس، يمكننا تقييم مستوى النيتروجين لدى شخص ما ومعرفة التّوزان أكان سلبيًّا أم إيجابيًّا فيما يتعلّق بالنيتروجين، من خلال فحص كمية البروتين الّتي استهلكها وفحص نسبة النيتروجين الّتي أفرزها في البول. بالتالي يمكننا تقييم مدى فاعليّة استهلاكه للبروتين.
البروتينات أساسيّة جدًّا للجسم البشريّ، وبالرغم من أهميتها لوظائف عديدة في الجسم، مثل بناء العضلات وترميمها، بناء ونقل الهورمونات المختلفة والعديد من الوظائف الأخرى. بالمُقابل فإنّ الجسم البشري غير قادرٍ على صُنع قسم من الأحماض الأمينيّة الأساسية لوحده، بإنّما يحتاجُ لاستهلاكها من مصادر غذائيّة خارجية مثل اللحوم، الحليب، البيض، اللبن، السمك، الصويا وغيرها، وتسمّى هذه الأحماض الأمينيّة بالأساسيّة (EAA’s) وتحتوي بداخلها على الأحماض الأمينيّة المتشعبة (BCAA’s).
عملية بناء العضلات هي عملية بيولوجيّة مُعقّدة وخارج نطاق هذا المقال القصير، لكن من المعروف لنا أن استهلاك كمٍّ كافٍ من البروتين والأحماض الأمينيّة الكاملةُ (الّتي تحتوي على جميع الأحماض الأمينيّة) من شأنه تعزيز عملية بناء العضلات (Muscle protein synthesis) وإبطاء عملية هدم العضلات (Muscle protein breakdown). يجدر الذكر بأنّ هذه العمليات المختلفة تحصل بالوقت ذاته داخل الجسم، وعند استهلاك كمٍّ كافٍ من البروتينات نقوم بترجيح كفة البناء على كفة الهدم، وهذا ما نريده عندما نستهدف زيادة الكتلة العضلية.
إذًا كيف يُساعد استهلاك البروتينات على النزول بالوزن وحرق الدهون ؟
إحدى الطرق الأساسيّة الّتي من خلال يساعد استهلاك كافٍ من البروتين في حرق الدهون والنزول بالوزن وهي أن استهلاك البروتين يُؤدّي إلى زيادة في حرق الطاقة والسعرات الحراريّة الكُلّيّة مُقارنةُ بمكوّنات الغذاء الأساسيّة الأخرى. فعلى سبيل المثال، يتطلّب "حرق" البروتين الذي نستهله ما بين 20-30% من السعرات الحرارية بهذه الوجبة من البروتين. بكلمات أخرى، إذا تناولنا وجبة من البروتين تحتوي على 100 سعرة حراريّة، يقوم الجسم باستهلاك حوالي 20-30 سعرة حرارية بالتقريب لتفكيك ومعالجة هذه الوجبة من البروتين، ممّا يُساهم في المحافظة على توازن سلبي من استهلاك الطاقة استهلاك الغذاء، وهذا من شأنه أن يُساعد في النزول بالوزن وخسارة الدهون.
إضافةً لما ذكر أعلاه، نرى أنّ استهلاك البروتين يُؤثّرُ مُباشرةً على الشعور بالشبع والجوع. يُنظَّمُ الجوع بطرق متعددة ومختلفة، منها هورمونيه، وأخرى بيئية\سلوكيّة. إحدى الموادّ الّتي يفرزها الجسد لتنظيم الشعور بالجوع هو الجريلين (Ghrelin) ويقوم الجريلين بتحفيز الجوع وتناول الغذاء. فعندما نستهلك البروتينات، فإنها تقوم بإحباط الجريلين ممّا يخفف الشعور بالجوع وبالتالي يتسبّب بالحدِّ من كمّيّة الاستهلاك اليوميّ للسعرات الحرارية، وتقوم البروتينات بتحفيز إفراز موادٍّ أُخرى مثل Peptide YY و GLP-1 وهي مواد مرتبطة بتحفيز إيجابي للشعور بالشبع وتقليل استهلاك الغذاء.
ما هي كمية البروتين الّتي يجب علينا استهلاكها يوميا؟
لقد تحدثنا في هذا المقال القصير عن العلاقة بين استهلاك كمٍّ كافٍ من البروتين وخسارة الوزن، ولكن ما هو بالتحديد الكم الكافي من البروتين اليومي؟
التوصيات العامة اليوم هي استهلاك 0.8 – 1 غرام من البروتين للكيلو، أي ان شخصًا ما يزن 70 كغم عليه استهلاك 56-70 غرام بروتين بشكلٍ يوميّ، هذه التوصيات غير كافية لتعزيز عمليّة بناء العضلات والقوّة أو حتى خسارة الوزن.
التوصيات المستندة على آخر الأبحاث العلمية تنصح بتناول 1.6 – 3.1 غرام بروتين للكيلو، مع ميول للحد الأعلى من هذا المجال للأشخاص الفعالين رياضيًا (بالأخص تمارين المقاومة على جميع أشكالها)، أي أنَّ الشّخص الّذي يزن 70 كغم، عليه تناول كمية بروتين تتراوح ما بين 112 – 217 غرام بروتين لتحسين من قدرته على بناء العضلات وخسارة الوزن.
هناك أهمية لتوقيت استهلاك البروتين وليس فقط للكمية الكلية من البروتين اليومي، وسنتطرق لهذا الموضوع في مقالات قادمة.
تلخيص
في هذا المقال تحدثنا باختصار عن أهمّيّة البروتينات في خسارة الوزن. وأشرنا إلى عمليّة خسارة الوزن والعوامل الّتي من شأنها أن تُؤثّر سلبًا وإيجابًا على هذا العمليّة.
3 خطوات سهلة التنفيذ تُساعدك في رحلتك لخسارة الوزن :
- استهلك كم أكبر من البروتينات: اضف (الدجاج \ السمك \ البيض \ الحليب \ اللحم \ الصويا\ العدس \حبوب) إلى حميتك الغذائيّة.
- قم بالتحرّك بشكل أكبر، سواء عن طريق الرياضة أو عن طريق الفعّاليّات غير الرياضية (استعمال الأدراج بدلًا من المصاعد، المشي بدلًا من استعمال السيارة)
- لكي تستطيع تنظيم عملية النزول بالوزن، قم بوزن نفسك بشكلٍ أسبوعيّ، صباحًا على معدة فارغة، إذا خسرت الوزن فأنت في الطريق الصحيح! حافظ على نظامك الغذائي كما هو، إذا رأيت أنّ وزنك ارتفع أو بقي مكانة، قُمْ بخفض 300-500 سعرة حرارية من نظامك الغذائي.
أرجو أن تكونوا استمعتم/ن في قراءة المقالة
مع الاحترام،
صالح صلاح
مُدرّب مُعتمد ومُمرّض مُختصّ بطبّ الطوارئ